رسالة رقم (12) من حملة نجاة - التحالف المدني الأردني لإلغاء المادة 308...
الدين يحرمه والقانون يحلله
تضامن : 71.3% من الأردنيين يعتقدون بأن الدين لا يبيح وقف الملاحقة أو وقف تنفيذ العقوبة إذا تزوج الجاني من الضحية
تشير جمعية معهد تضامن النساء الأردني "تضامن" لإجابات الأردنيين على سؤال وردت نتائجه بدراسة "الجرائم الجنسية ضد النساء- المادة 308 من قانون العقوبات الأردني نموذجاً" فيما إذا كانت الشرائع السماوية تبيح وقف الملاحقة أو وقف تنفيذ العقوبة في حال تزوج الجاني من الضحية، وكانت إختيارات الإجابة بنعم أو لا أو لا أعرف.
وتشير النتائج الى أن 71.3% من الأردنيين يعتقدون بأن الشرائع السماوية لا تبيح وقف الملاحقة أو وقف تنفيذ العقوبة حتى ولو تزوج الجاني من الضحية، ومن الملفت للإنتباه أن نسب الأفراد في كافة الفئات العمرية، الأميين والمتعلمين بكافة مستوياتهم التعليمية، وباختلاف علاقتهم مع مؤسسات المجتمع المدني، تقاربت ولم تظهر أي إختلافات جوهرية. بمقابل 21.4% منهم أجابوا بأنهم لا يعرفون، و 7.3% أجابوا بلا.
وتقول ريم (إسم مستعار) وهي ضحية لجريمة إغتصاب :"المعتدي كان من بلد عربي آخر...عرض علي الزواج ليوقف المحاكمة وأنا إضطررت للموافقة خوفاً من القضيحة...حملت منه نتيجة الإعتداء...ولكنه ترك طقلي بدون أوراق وغادر...ولم يعد ولا أعرف عنه أي شيء".
وقصة ريم تؤكد من جديد بأن هدف الجاني من الزواج هو الإفلات من العقاب الذي حلله القانون وحرمته الشرائع السماوية، ويجسد معاناة الضحايا المستمرة.
ومنذ القدم، كانت العلاقات الجنسية ما بين الذكور والإناث تصنف على أساس أنها تلبية للغرائز الفطرية والحاجات الطبيعية للإنسان، الى أن تطورت ووضعت لها الأحكام والضوابط لتكون سلوكاً مقبولاً من النواحي الأخلاقية والإجتماعية، ومتوافقاً مع الشرائع والديانات التي عملت على تنظيم العلاقات الجنسية بين الجنسين، وفرضت العقوبات المختلفة على الأفعال الجنسية التي حرمتها والتي أصبحت تعرف بالجرائم الجنسية كالزنا واللواط والإغتصاب وغيرها.
وورد بالدراسة أن مقاصد الشريعة الإسلامية تقوم على جلب المصالح ودفع المفاسد، لذا فقد أجمع الفقهاء على أن الضرورات الخمس لإستمرار الحياة البشرية هي في حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والعرض والمال، أما غير الضروريات فهي متعددة ومنها الكرامة الإنسانية وتزكية النفس والحرية والمساواة والعدل والرحمة وتكوين الأسرة الصالحة وإنصاف المرأة والتكافل ومراعاة الفطرة والتعاون وحفظ الأمن الإجتماعي وحفظ النظام العام للأمة الإسلامية .
ويمكن تقسيم العقوبات على الجرائم الجنسية في الشريعة الإسلامية الى نوعين، عقوبات محددة وهي تلك المثبته بنص صريح في القرآن الكريم أو السنة، وعقوبات مفوضة أو تعزيزية وهي تلك التي حرمت بنصوص صريحة دون ذكر لعقوبتها وفوض أمر تقديرها للقاضي ضمن شروط محددة . وقد نهى سبحانه وتعالى عن الفواحش بقوله {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن} .
فجريمة الزنا التي تعتبر من أكبر الكبائر بقوله تعالى {ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلاً} ، إختلف الفقهاء في تعريفها حيث عرفها الحنفية بأنها :"وطء الرجل للمرأة في القبل في غير الملك وشبهة الملك"، وعرفها المالكية بأنها :"وطء مكلف فرج آدمي لا ملك له فيه بإتفاق تعمداً"، وعرفها الشافعية بأنها :"إيلاج الذكر بفرج محرم لعينه خال من الشبهة مشتهى طبعاً"، فيما عرفها الحنابلة بأنها :" فعل الفاحشة في قبل أو دبر" .
وجريمة اللواط التي تعتبر أيضاً من الكبائر حيث قال تعالى {ولوطاً إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها أحد من العلمين} ، وأجمع الفقهاء على وجوب الحد مع إختلافهم في مقداره.
إن جريمة الزنا التي تتم برضا الطرفان تصبح جريمة إغتصاب في حال تمت بإكراه الأنثى، وفي هذه الحالة فقد إتفق الفقهاء على أنه لا حد على الأنثى إستناداً لقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم (عفى لأمتي عن الخطأ والنسيان وما إستكرهوا عليه). وعليه فإن عقوبة الزاني والمغتصب المحصن واحدة وهي الرجم حتى الموت، أما الزاني أو المغتصب غير المحصن فتشدد عليه العقوبة إذا إغتصب إمرأة مشتهاه .
كما وأشارت الدراسة الى أن الديانة المسيحية أكدت على مبدأ الزواج الأحادي بإعتبارها مفروضة من الرب أكثر من كونها تعليماً جديداً، وجاء في سفر التكوين أنه:" من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه، ويلتصق بإمرأته، ويكونان الإثنان جسداً واحداً، إذاً ليسا بعد إثنين، بل جسد واحد".
وتتشدد الديانه المسيحية بموضوع الطلاق، حيث قال السيد المسيح عليه السلام :"فالذي جمعه الله لا يفرقه الإنسان"، كذلك :" من طلق إمرأته وتزوج بأخرى يزني عليها، وإن طلقت إمرأة زوجها وتزوجت بآخر، تزني".
إن وحدة العلاقة الزوجية وقدسيتها تجلت في عدم إعتبار العلاقة الجنسية خارج إطار الزواج زنا لوحدها، بل إمتدت لتشمل العلاقة الجنسية في الخيال، فقد جاء في إنجيل متى :"إن كل من ينظر الى إمرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه".
إن تعاليم السيد المسيح عليه السلام تظهر قدراً كبيراً من التسامح، ففي إحدى المرات جلبت إمرأة زانية الى السيد المسيح وإعتقد الجموع بأن شريعة موسى ستطبق وهي رجمها بالحجارة حتى الموت، ولكنه قال لهم :"من منكم بلا خطيئة فليرمها أولاً بحجر"، وعندما ذهبوا جميعاً قال السيد المسيح للمرأة :"ولا أنا أدينك، إذهبي ولا تخطئي أيضاً". إن الديانة المسيحية وإن حرّمت جريمة الزنا، غير أنها قائمة على أساس التسامح والغفران، والتوبة وسيلة أهم من العقاب.
ووضع باسيل من قيصارية للكنيسة الشرقية أحكاماً وضوابطاً ضد الإنتهاكات الجنسية المختلفة ومنها على وجه الخصوص، الزنا والإجهاض والشذوذ الجنسي والإتصال بالحيوانات والإغتصاب والزواج بزوجتين أو زوجين وسفاح القربى، كما وأضيف الإجهاض ووأد الأطفال الى التحريم الإنجيلي للزنا.
وتضيف "تضامن" بأن تعريف العنف ضد المرأة الذي يشمل النساء والفتيات والطفلات هو "أي فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عليه، أو يرجح أن يترتب عليه، أذى بدني أو جنسي أو نفسي أو معاناة للمرأة، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة أو في الحياة الخاصة".
وتتعدد أنواع وأشكال العنف لتشمل جميع أنواع العنف الذي يرتكبة الأفراد ضد النساء والفتيات والطفلات كالعنف الجسدي والجنسي واللفظي والنفسي، والذي يرتكبه كل من الدولة والمجتمع كالعنف الإقتصادي والقانوني القائم على عدم المساواة والتمييز.
ويمارس العنف في إطار الأسرة وفي إطار المجتمع العام والعنف الذي ترتكبه الدولة أو تتغاضى عنه، أينما وقع. ويشمل العنف في إطار الأسرة : (الضرب، التعدي الجنسي، العنف المتصل بالمهر، الإغتصاب، ختان الإناث، والعنف غير الزوجي والعنف المرتبط بالإستغلال). أما في إطار المجتمع العام فيشمل : (الاغتصاب، التعدي الجنسي، المضايقة الجنسية والتخويف في مكان العمل وفي المؤسسات التعليمية وأي مكان آخر، الإتجار بالنساء وإجبارهن على البغاء). هذا ويشار الى أن نسبة ضئيلة جداً من الذكور يتعرضون للعنف القائم على النوع الإجتماعي.
ومن جهة ثانية طالبت وثيقة "القضاء على جميع أشكال العنف ضد النساء والفتيات ومنعها" – لجنة أوضاع المرأة – الدورة 57 لعام 2013 بمواحهة العنف الأسري والقضاء عليه كأولوية، وتعزيز التشريعات الوطنية لمعاقبة مرتكبي جرائم القتل الجنساني العنيفة التي تطال النساء والفتيات، وضمان وصولهن الى العدالة دون عوائق، ومنع التسويات الإلزامية والقسرية للمنازعات بما فيها الوساطة والتوفيق القسريين، وتعديل و / أو إلغاء كافة القوانين والأنظمة والسياسات والممارسات والأعراف التي تميز ضد النساء أو التي يترتب عليها أثر تمييزي. كما دعت الوثيقة الى ضرورة تعميم المنظور الجنساني في كل السياسات والبرامج والتشريعات وضمان مشاركتهن مشاركة كاملة وفعالة ، وزيادة الإستثمار في المساواة بين الجنسين وتمكين النساء والفتيات.
وأشارت الوثيقة الى مجموعة من التدابير التي من شانها التصدي للأسباب الهيكلية والأسباب الكامنة وعوامل الخطر من أجل منع العنف ضد النساء والفتيات ، كحرمانهن من التعليم والمشاركة الإقتصادية والتمييز وعدم المساواة ، وإنتشار القوالب النمطية والفقر وعدم تمكينهن ، وعدم حماية حقوق النساء والفتيات ذوات الإعاقة ، وحرمانهن من الإرث والتملك ، ومن حرية التنقل ، وإنتشار زواج الأطفال والزواج المبكر والزواج القسري. وإختتمت الوثيقة بمجموعة من البرامج والخدمات والإجراءات التي من شأنها التصدي للعنف ضد النساء والفتيات في حال إستخدامها وتعزيزها.
وفي ظل هذه المعطيات، فإن "تضامن" والتحالف المدني الأردني لإلغاء المادة 308 يطالبان الحكومة ومجلس الأمة الإستجابة للمطالب التي عبرت عنها الحركة النسائية في الأردن منذ سنوات، والوفاء بإلتزاماته خاصة أمام اللجان الدولية، والعمل سريعاً على إلغاء نص المادة 308 لإنهاء سياسة الإفلات من العقاب ولتحقيق العدالة الجنائية للنساء والفتيات ولإنهاء النصوص التمييزية ضدهن في التشريعات خاصة قانون العقوبات الأردني.
يذكر أن مشروع "نجاة – معاً لملاحقة الجناة وحماية النساء الناجيات من جرائم العنف الجنسي" بدعم من الشعب الأمريكي ومن خلال المنحة المقدمة من برنامج USAID لدعم مبادرات المجتمع المدني والمنفذ من قبل منظمة صحة الأسرة الدولية FHI 360 وبتمويل من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID). ويعتبر هذا المحتوى من مسؤولية "تضامن" ولا يعكس بالضرورة آراء الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) أو آراء الحكومة الأمريكية أو حتى آراء منظمة صحة الأسرة الدولية FHI 360.
جمعية معهد تضامن النساء الأردني – 5/12/2015